Forum - الإعلام في الوطن العربي ودوره في تشكيل الوعي

الإعلام في الوطن العربي ودوره في تشكيل الوعي

الإعلام في الوطن العربي ودوره في تشكيل الوعي 
إزاء الضمور النسبي لدور الأشكال التقليدية للثقافة , وانحصار فاعليتها بالنخب العالمة، فإن وسائل الاتصال الجماهيري، بدءاً بالصحيفة والمجلة المصورة وانتهاء" بالإذاعة المسموعة والمرئية، باتت هي الأداة الرئيسية لتشكيل وعي الإنسان المعاصر، سواء في البلدان المتقدمة أو في البلدان المتخلفة. وإذا كان ثمة فارق بين هذه وتلك فليس في عملية تشكيل الوعي بحد ذاتها, بل في هوية منتج تقنيات الإعلام الحديثة. فلأول مرة في تاريخ البشرية،وبحكم الهوة التكنولوجية بين العالم المتقدم والعالم المتخلف.
بات في إمكان شطر من البشرية أن يتحكم في تشكيل وعي البشرية بأسرها.
وإذا صح تعريف الإنسان بأنه ابن بيئته، صح أيضاً تعريفه بأنه ابن وسائل
إعلامه. فوسائل الإعلام الحديثة، ولا سيما في شكلها السمعي ـ البصري، باتت هي
التي تشكل اليوم بيئة الإنسان الفعلية. صحيح أنها بيئة مصنوعة، مكيفة، لكنها
هنا بالتحديد تعتبر أشد تأثيراً في شعور الإنسان ولا شعوره معاً من البيئة
الطبيعية، وأقدر منها على تشكيل ذهنيته وشخصيته، وأفعل منها في صياغة إرادته
وتأطيرها وتوجيهها , ولا شك أن أحد العوائق الرئيسة التي تحول  دون تطوير
الإنتاجية العربية في مجال السمعيات ـ البصريات يتمثل في الطابع القطري أو
المحلي للشبكات التلفزيونية العربية ,وفي عدم وجود اتفاقيات للتعاون الثنائي
أو الجماعي بين هذه الشبكات وإن وجدت ففي عدم تطبيقها. بالإضافة إلى الطابع
القطري للشبكات الإعلامية العربية.لا بد من الحديث عن الدرجة العالية من
التبعية للمادة الإعلامية المستوردة برسم البث التلفزيوني وهو من العلل الأولى
للنكوص والارتكاس نحو درجات من التبعية تم تجاوزها منذ سنوات كثيرة في مجال
البث الإذاعي السمعي الصرف.
 فأكثر الإذاعات العربية اليوم، إن لم نقل جميعها ـ هي إذاعات قطرية. وإن كان
مجال بث بعضها يجاوز القطر المعني إلى أقطار عربية مجاورة، فإنها تبقى في
توجهها قطرية لا قومية. والواقع إنه منذ هزيمة 1967 وتصفية التجربة الناصرية
لم تعد هناك إذاعة قومية بالمعنى الدقيق. وعلى الرغم من مئات الاجتماعات
وعشرات الاتفاقيات لم تتمكن من إنشاء إذاعة قومية.. والحالة العربية لا تشكل
استثناء لقانون الفعل والانفعال هذا الذي يربط بين المركز المتقدم والهامش
المتخلف. فمنذ أن استورد العرب المطبعة استيرادا، بدون أن تكون لهم يد في
اكتشافها وإنتاجها وتسويقها، باتوا، مع غيرهم من شعوب العالم الثالث أسرى
تقنيات الثقافة والإعلام المصدّرة إليهم بدون أن يكون لهم الخيار، بحكم الأمر
التكنولوجي، في الامتناع عن استيرادها. ولكن لئن أثبت العرب، ابتداء" من عصر
النهضة، قدرة مثيرة للإعجاب على تبيئة التقنية الطباعية، حتى كان عصر النهضة
هو بحق عصر الصحيفة والمجلة والكلمة المطبوعة، ولئن أثبتوا أيضاً في عهود
الاستقلال قدرة لا مماراة فيها على تبيئة التقنية الإذاعية، فإنهم يجدون
أنفسهم اليوم، مع التطور العالمي المذهل في التقنيات السمعية ـ البصرية، أسرى
تبعية إعلامية محكمة، يصعب الإنفكاك من إسارها لا من المنظور التقني فحسب، أي
من منظور الأجهزة المرسلة للرسالة الإعلامية بل كذلك من منظور المادة المرسلة
أي مضمون الرسالة الإعلامية.
والأخطر من هذا فان بعض الإذاعات السمعية والبصرية الأجنبية التي تبث بالعربية
هي وحدها التي تقوم اليوم بمهمة الربط الإذاعي القومي. وإذا أخذنا بعين
الاعتبار التطور المتوقع لتقنية البث التلفزيوني عن طريق الأقمار الاصطناعية،
فلنا أن نلاحظ أيضاً كيف تقوم التلفزيونات الأجنبية بمهمة الربط القومي في
مجال السميعات البصرية كذلك.من خلال امتلاكها لتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية
المتطورة والصحون اللاقطة بشكل مذهل، مما يعني إحكام طوق التبعية الإعلامية
الربط القوم في مجمل الوطن العربي، مما يعني إحكام طوق التبعية الإعلامية على
نحو لم يسبق له مثيل على مجمل الوطن العربي، وانهيارا مدوياً لكل سدود الأمن
الإعلامي العربي القومي والقطري معاً. والمعضلة أن الإعلام العربي في واقعه
الحالي يقف أمام هذه الهجمة الإعلامية الكاسحة عاجزاً أو شبه عاجز فهو في
الكثرة الغالبة من الأحوال، إعلام فاقد لمصداقيته،  بحكم إطاره ومنزعه القطري
فحسب، وإنما كذلك بحكم طابعه الرسمي، بل الحكومي المغرق في بيروقراطيته وفي
انعزاله عن الجماهير وعدم حساسيته بمشاكلها الأكثر حيوية. والواقع أن احتكار
البيروقراطية للسلطة الإعلامية، في زمن انكشف فيه على الصعيد العربي كما على
الصعيد العالمي عجز البيروقراطيات عن استيعاب مجمل حركة المجتمع، يكاد وحده،
دون سائر العيوب الإضافية، أن يشكل نقطة مقتل الإعلام العربي السائد. فهذا
الإعلام الذي لا ينطق إجمالاً إلاّ بصوت واحد ـ هو صوت النظام السائد، محكوم
عليه سلفاً بألاّ ينطق بصوت الحقيقة لأن الحقيقة متعددة الأصوات كما أثبت ذلك
الإفلاس الأيديولوجي والواقعي لمختلف تجارب الاستبداد في القرن العشرين.
ثم أن تطور تقنيات الإعلام بالذات قد جعل من احتكار الحقيقة مشروعاً محكوماً
عليه بالفشل سلفاً. فاليوم، وبعد الثورة التي شهدها عالم الاتصالات ـ وهي ثورة
لا تني _ أوتتوانى _ تتوالد حلقاتها وتتضاعف مفاعليها ـ بات من المستحيل الحجر
على الحقيقة ضمن دائرة إعلامية واحدة, وكم بالأولى إذا كانت من الأساس جزئية،
وفي الحالة العربية قطرية!
ومما يزيد في حاجة الإعلام العربي إلى أن يكون مجتمعياً، ينطق بلسان تعدد
القوى السياسية والاجتماعية ويخدم مصالح جماهير الأمة الأكثر اتساعاً، هو أن
المهمة التي تواجهه ليست محض مهمة سلبية تتمثل في التصدي لغزو الإعلام الخارجي
المعادي، ولا سيما في شكله الأمريكي والصهيوني أو المتصهين، بل هي أيضاً مهمة
قومية حضارية تتمثل في تكوين رأي عام عربي يصدر عن وجدان مشترك وينبض بنبض
حساسية مشتركة، وفي بناء الشخصية العربية الواحدة وصون مقوماتها وتطوير بناها،
وفي إذكاء الشعور القومي ووحدة التعاطف العربي في زمن طغت فيه النزعة القطرية
واستعرت فيه الأهواء التفتيتية وكاد منطق التجزئة أن يغلب منطق الوحدة. إن
إعلامنا عربياً، وحدوي الإطار والهدف والجمهور، هو اليوم ضرورة مطلقة يمليها
إفلاس الإعلام القطري السائد ويمليها التقدم المذهل في تقنيات الاتصال التي
باتت تكتسح الحدود القومية. وكم بالأحرى الحدود القطرية وما دون القومية،
وتميلها حاجة الوعي العربي إلى أن يتبلور على أسس متلاحمة من الوحدة القومية،
والتعددية الديمقراطية، والمعرفة العقلانية. إن العصر عصر الإعلاميات. والعرب،
الذين تؤرقهم منذ اشراقة النهضة الحاجة إلى الانتماء، إلى العصر، لا خيار لهم
إلا في مواجهة تحدي العصر الذي كان فيما سلف من طبيعة علمية وصناعية والذي
ينحو أكثر فأكثر اليوم إلى أن يكون أيضاً من طبيعة إعلامية واتصالية.
وهذه الدراسة التي نكتبها إلى حوار البعث الفكري   عن الإعلام ونضعها بين أيدي
القراء لا ترمي إلى أن تكون أكثر من لبنة في بناء وعي إعلامي عربي مدركة كل
أبعاد الدور الذي يضطلع به الإعلام في عصر الإعلام، كوسيلة اتصال جماهيرية
فعالة، وكأداة ثقافية تشمل المستويات المعرفية كافة، وكعتلة في عملية التغيير
والتطوير الضرورية والملحة في الوطن العربي، وكسلاح رئيسي في التقدم
التكنولوجي الذي لا غنى عن السير على سكته للخروج من دائرة التخلف والاتكالية
والتبعية، وكواسطة تعبير ومطالبة أساسية في النضالات الجماهيرية من أجل وحدة
الأمة وممن أجل الديمقراطية والحرية والمساواة بين مواطني الأمة العربية, لقد
أكد المؤتمر القطري العاشر للحزب على عروبة الأمة العربية وعلى ضرورة الحفاظ
على كل مقوماتها والدفاع عنها بكل الإمكانيات والسبل المؤدية إلى استمرار
صيرورتها العربية.
ـ الإعلام والاتصال:
إن كلمةالاعلام تكاد تكون مصطلحاً عربياً متفرداً يصعب إيجاد ترجمة أجنبية له
أنه يشمل جانياً من كلمة اتصالCommunication وآخر من كلمة معلومات أو أخبار
Informations وشيئاً بسيطاً من كلمةRenseignement الفرنسية.. جاء في «المعجم
الوسيط»، أعلم فلاناً الخبر وبه : وأعلم فلاناً بالأمر حاصلاً جعله يعلمه.
والاتصال هو تبادل الأفكار والمعلومات بين الأفراد أدواته الأنظمة المتعددة
للتواصل كما تحددها السيميولوجيا. وتقوم علمية الاتصال على تفاعل العناصر
المكونة لها وهي: المرسل، مضمون الرسالة، الوسيلة (القناة) والمرسل إليه(
المستقبل). أما الإعلام فيرتكز على الاتصال أي نقل الخبر من نقطة أومركز
وتوزيعها على عدة نقط يكون الهدف منها إما تعبئة وعي الجماهير أو إثارة النقاش
حول قضايا هامة. ووظيفة الإعلام متعددة فهي : تنوير الرأي العام المحلي أو
الدولي، تكوين ثروة من المعلومات حول المجتمعات المعاصرة، نقل المعرفة
والثقافة، الترفيه والتسلية وغيرها.
إن هذه الوضعية الحيوية لمكانة الاتصال في المجتمع المعاصر فرضت صياغة أخرى
فلسفية وقانونية وتنظيمية لحق الاتصال واستخدام وسائله على ضوء «ثلاثة متغيرات
أساسية: حق الفرد في الاتصال ( حق الاجتماع والمناقشة والمشاركة وتكوين
الأحزاب والجمعيات والحصول على المعلومات والمشاركة في تكوين الرأي العام).
حق الجماعة السياسية (الدولة ) في الاتصال بالجماعات السياسية الأخرى. حق
المجموعة الدولية في الاتصال وتوظيف وسائله لتعزيز الإخاء والتعارف بين وحدات
المجتمع الدولي.
ـ الإعلام والرأي العام:
إن الرأي العام، كأحد أنماط السلوك البشري، تتعدد تعاريفه، فهو «الرأي الذي
يتبناه مجموع الجمهور الراشد في قطر من الأقطار، أو قطاع كبير منه، وإزاء قضية
جدلية معاصرة تمس مصالح ذلك الجمهور مساً مباشراً، فيتصلون بشأنها، ويتداولون
الآراء ويناقشونها، عبر قنوات الاتصال المختلفة، ويكونون جميعهم أو أغلبهم
رأياً حول تلك القضية، يعبرون عنه بوضوح ( سواء بالتأييد أو الرفض الحاد) وذلك
بهدف التأثير في السياسة العامة». لكن المشكلة الأساسية التي تشغل الباحثين في
ميدان الإعلام والاتصال، هي البحث فيما إذا كانت «وظيفة الإعلام هي التعبير عن
الرأي العام أو السيطرة عليه والتحكم فيه وتوجيهه وجهات معينة بالذات».
وتختلف ظاهرة الرأي العام عن ظواهر أخرى تشترك أو تقترب منها مثل: الاتجاه
العام، الأفكار العامة، القيم والعادات، ووجهات النظر الفردية التي يطرحها
الأفراد والجماعات حتى عند تجانسها، «فالرأي العام ليس بمجموع تراكمي لوجهات
النظر المتطابقة، وإنما هو الرأي الذي يعبر عن موقف تتبناه الشخصية المعنوية
للحشد أو للجمهور بعد تفاعل ديناميكي بين متغيرات هذه الشخصية والمتمثلة في
قيادتها وقواها الضاغطة وظروفها وتصوراتها وسلوكها الجمعي بوجه عام ». إذن،
فظروف المجتمع وطبيعة نظامه السياسي ومدى تطور وسائل الاتصال فيه، تلعب دوراً
أساسياً في بلورة الرأي العام واستخدام نتائجه للتأثير على سلوك الأفراد
والقيادات. ففي الدول الديمقراطية تدلي التنظيمات السياسية وكل الفعاليات
برأيها في قضايا المجتمع ويتم الأخذ به لترشيد القرارات السياسية. أما في أغلب
دول العالم الثالث ومنها العالم العربي فلا يبدو أي احترام للرأي العام
وبالأحرى استثمار نتائجه إذا أتيحت الفرصة لذلك. وعلى الرغم من التطور الهائل
في وسائل الاتصال فإن عدة عوائق ما زالت تحول دون وجود رأي عام عالمي فعّال
ومتفهم للقضايا الدولية، كقضايا التحرر والسلم والعنصرية. ومن هذه العوائق: 1
ـ عدم وجود ثقافة عالمية، بمعنى عدم قابلية الناس في عصرنا إلى التعرف على
المشاكل العالمية نظراً لتعقيدها. إننا نجد في أكثر الاستفتاءات أن هناك
أغلبية تجيب بـ «لا» أو تقف موقفاً محايداً أو تجيب «لا أعرف». وهذا الجهل
بالشؤون الدولية ليس قاصراً على الدول النامية فقط بل إنه يشمل أيضاً أكثر
الدول تقدماً. 2 ـ وجود رقابة قوية من قبل أغلب الحكومات على الإعلام الخارجي.
3 ـ عدم فاعلية المنظمات الدولية. 4 ـ التحسب من الوجود السابق للمعسكر
الشيوعي, والرأسمالي. 5 ـ اللغة والقيم الخاصة لكل مجموعة بشرية.
هل يحق لنا أن نتساءل عن الرأي العام العربي؟
لقد أسهمت العوامل المشتركة العديدة بين شعوب المنطقة العربية في تكوين أسس
صلبة للرأي العام على نطاق العالم العربي كله. إذ بالإضافة إلى وحدة الظروف
التاريخية هناك وحدة اللغة والثقافة المشتركة والتكوين النفسي المشترك الذي
يتمثل في التراث والعادات والدين. فإذا كانت المطالب السياسية المتمثلة
بالتحرر من الاستعمار وتصفية الأحلاف والمعاهدات التي كانت تخضع الأقطار
العربية للدول الكبرى تحت شعار الانتداب والحماية والوصاية، هي القضية
الأساسية التي شغلت الرأي العام العربي خلال النصف الأول من هذا القرن، فإن
تصاعد الوعي القومي مع ثورة تموز في مصر، وضع قضية الوحدة العربية وتحرير
فلسطين في مقدمة المطالب السياسية الملحّة التي طرحتها الجماهير العربية.
ولكن لماذا لم يتبلور هذا الرأي العام العربي إلى واقع فعلي، رغم كل مقومات
التوحيد التي يملكها ؟ لعل العديد من العوائق وقفت أمام ذلك وما زالت بنسبة
تزيد أو تقل ومنها:
1 ـ الفوارق الاجتماعية الهائلة بين تملك أو تتحكم في موارد الثروة والإنتاج
ووسائل التعبير السياسي والإعلامي، وبين الكثرة من الجماهير العربية المحرومة
كلياً أو جزئياً من المشاركة في الاستفادة بعوائد الثروات الطائلة، وبالتالي
المشاركة في صنع القرارات السياسية أو القومية أوتشكيل صورتها الإعلامية في
الداخل والخارج. 2 ـ انتشار الأمية في الوطن العربي انتشارا خطيرا _ وصلت حتى
عام 2004 إلى (63,8 ) في المائة _ . 3 ـ أزمة النخبة المثقفة في العالم
العربي، فهي تتأرجح بين خطرين أولهما القهر السياسي والاجتماعي وثانيهما
محاولات الاستيعاب والاحتواء من جانب الأنظمة العربية. 4 ـ احتكار الحكومات
العربية لوسائل الإعلام. 5 ـ طبيعة المضامين الإعلامية التي تروجها أجهزة
الإعلام العربية والتي يغلب عليها طابع التخلف والنظرة القطرية المحدودة
ومصادرة الرأي الآخر وعدم الاعتراف بوجوده، فضلاً عن غلبة النخبة الدعائية
العاطفية والابتعاد عن الأساليب العقلانية الواقعية.
ـ المراجع والمصادر النظرية للإعلام العربي:
تعتبر المدرسة الغربية المرجع الأساسي، فلسفياً وقانونياً واقتصادياً،
وسياسياً لأهم الاتجاهات الحالية للإعلام. وأبرز هذه الاتجاهات تصنيف ( شرام
1956  ) الذي تضمن أربع نظريات في الإعلام : نظرية السلطة، النظرية السوفيتية،
النظرية الليبرالية، ونظرية المسؤولية الاجتماعية. وقد توالت التصنيفات، الشيء
الذي أدى إلى بعض التغييرات. فهناك من يتحدث عن ثلاث نظريات فقط : الليبرالية
والشمولية والمختلطة. وهناك من يتحدث عن نظرية خامسة إضافة إلى تصنيف( شرام)
وهي نظرية «الإعلام التنموي » التي تبلورت ملامحها بعدما أكدت العديد من
الدراسات أهمية وسائل الإعلام والاتصال لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية
في العالم الثالث.
أما على المستوى العربي فإن النظرية العامة التي تحكم الممارسات العربية «تدين
بالتبعية شبه الكاملة للنظرات الغربية في الإعلام مضافاً إليها السمات الخاصة
بالواقع السياسي والاجتماعي في الوطن العربي. فالإعلام العربي ينساب في اتجاه
رأسي من الحكام إلى المحكومين ويقوم بدور أساسي في عمليات الضبط الاجتماعية
وحماية الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة ». كما أن المناهج الإعلامية
بالمعاهد العربية تفتقد الرؤية القومية الشاملة لمتطلبات واحتياجات الوطن
العربي إعلامياً. وهذا ما يلاحظ من خلال الكتب المؤلفة. فالقليل منها ما يتسم
بالأصالة والارتباط بقضايا الإعلام العربي المعاصر مثل: الإعلام والصراع
العربي ـ الصهيوني.
ـ وكالات الأنباء والإعلام العربي:
إن ثمة خمس وكالات أنباء أساسية وهي: «وكالة الصحافة الفرنسية ( فرنسا)، وكالة
الصحافة المتحدة ) رويتر (بريطانيا)، تاس ( الاتحاد السوفييتي سابقا) يوناتيد
برس ( الولايات المتحدة الأمريكية ). وهذه الوكالات تتولى بشكل أساسي جمع وبث
الأخبار في كافة أنحاء العالم. ولكل وكالة مكاتب في أكثر من مائةوخمس وثلاثون
دولة، وتستخدم عشرات ألوف الأشخاص، أي جيوش من الإعلاميين. وتجمع وتوزع ملايين
الألوف من الكلمات يومياً. وتنتج كل واحدة أخباراً على مدى 24 ساعة يومياً
وترسلها إلى عشرات ألوف الزبائن من وكالات وطنية وصحف وإذاعات ومحطات تلفزيون.
وتبث كل هذه الوكالات بعدة لغات: الإنكليزية، الألمانية، العربية، الأسبانية،
الفرنسية، البرتغالية والروسية, ومؤخرا إلى الصين واليابان».
إلا أن مراجعة لأشكال التغطية الإعلامية التي قامت بها أغلب هذه الوكالات
لتطورات الصراع العربي ـالصهيوني خلال الأربعين عاماً الماضية «كافية أن توضح
لنا أهمية وخطورة الدور الذي تلعبه وكالات الأنباء العالمية في الصراع الدولي
وتشويه الصورة الحقيقية للأحداث ومحاولة فرضها على الرأي العام العالمي كحقيقة
إعلامية. وكذلك بمراجعة مواقف الصحافة الغربية من دول النفط العربية في أثناء
حرب تشرين التحريرية, وكذلك في أثناء اجتياح قوات العدو الصهيوني في ابنان عام
1982, فضلا عن تزوير الحقائق في عملية الصراع في إثناء الانتفاضة الفلسطينية
الأولى والحالية, وكذلك ما تقوم به من قلب للحقائق في أثناء العمليات الوحشية
التي ترتكبها القوات الانكلوساكسونية في العراق تتضح لنا أنواع التشويه
المتعمد ومحاولة استعداء الرأي العام ضد الدول النفطية العربية لمجرد محاولتها
استخدام حقها المشروع في استعمال البترول كسلاح في معركتها القومية ضد
(إسرائيل ) الحليفة الأولى للدول الغربية. إن لهذا الاعتداء والاستعداء,
وتشويه صورة الإنسان العربي في الإعلام الغربي أسباباً عدة منها: استمرار
عقلية الحروب الصليبية لدى غالبية الناس في الغرب وتفاعل ذلك مع النزعة
الاستعمارية الحديثة للحفاظ على مصالح الدول العظمى الاقتصادية والاستراتيجية
في الوطن العربي، وقد أكد ذلك جورج بوش في بداية شنه الحرب الطاحنة على
أفغانستان حين قال: الآن بدأت الحروب الصليبية من جديد.إضافة إلى تأثير وهيمنة
الصهيونية على أجهزة الإعلام الغربية. وكمثال على ذلك : «في الثمانينيات ظهرت
صورة العربي الإرهابي ـ في السبعينيات ظهرت صورة العربي الشره الذي يستغل
البترول للسيطرة على اقتصاد العالم , في الستينيات ظهرت صورة العربي الطاغية
الذي لا يعبأ لحقوق المواطنين ولا بحقوق الإنسان ». وإذا كان الهدف من إنشاء
وكالات أنباء عربية هو تصحيح الصورة المشوهة التي شكلتها وكالات الأنباء
الغربية عن الإنسان العربي لتضليل الرأي العام العالمي، فإن طغيان النزعة
القطرية على نشاط هذه الوكالات واستعمالها وسيلة لتأجيج جو القطيعة المتأصل
بين الحكومات العربية ساعدا على عدم تحقيق الهدف المرجو منها، فظلت تدور في
فلك التبعية لوكالات الأنباء الأجنبية.
ـ استراتيجية الإعلام العربي:
لدى البحث عن الإعلام وتوازن الاتصال يفترض وجود مشكلات وخلل في واقع الاتصال
القائم، ومن أسبابه الفجوات الاقتصادية والتكنولوجية والإعلامية بين الشمال
والجنوب كما أشرنا سابقاً، حيث تتحكم الدول المتقدمة بالمادة الإعلامية
المتداولة في العالم المعاصر وتركز على إبراز «الصورة القاتمة من تجارب الدول
النامية والمتخلفة كالأزمات السياسية والحروب، والقلاقل والاضطرابات التي
تتفاعل في هذه الدول بقصد تغذيتها وتأجيج نارها». فإذا كان النظام الإعلامي
الجديد يستهدف معالجة «الخلل » بأشكاله المختلفة، فإن الذي يعنينا هو الخلل
القائم بيننا نحن الشعوب العربية والقلة المسيطرة من الدول المتقدمة، حفاظاً
على هويتنا الوطنية والقومية.
لذا فالإعلام العربي يستدعي استراتيجية عربية تجمع بين الاعتبارات المادية
والاهتمامات الثقافية، لأن الدفاع عن الهوية الوطنية والقومية لشعوب المنطقة
العربية والحفاظ عليها يعني أولاً: عدم إغلاق النوافذ في وجه الثقافات الأخرى
بحيث تكون هناك علاقة وتفاعل بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى، وهذه كانت
سمة بارزة للثقافة العربية على مر العصور. ثانياً : رفع الموانع والحواجز على
التبادل بين الأقطار العربية، فهل يعقل أن لا تزيد نسبة هذا التبادل على 0.7%
؟ «فالفيلم العربي والكتاب والإنسان العربي ـ ما زال يصدم بالحدود الجمركية
والسياسية في تحركه وامتداده. ومن هنا نتساءل: كيف يمكن توصيل قضايانا العربية
بأساليب تراعي مبادئ التواصل الجماهيري إلى أوسع عدد ممكن من الجماهير العربية
؟ وما هي الطرق الكفيلة للدخول إلى العالمية بطريحات قومية مدركين أن هذا
الدخول يقتضي قليلاً من الحوار ولكنه يشترط الصراع الساخن في كثير من
الأحيان». كما أن الانفتاح على الخارج لا يعني التبعية للإعلام الرأسمالي،
وهذا ما يلاحظ من نتائج الإعلام الرسمي لأغلب البلدان العربية حيث «إشاعة
الهموم الفردية وتقديمها على الهموم الجماعية. فالمسلسلات والأفلام تؤكد على
البطل الواحد. والأخبار تحاول باستمرار إبعاد الحس النقدي عن السلطة الحاكمة
». وهذه الرؤية للإعلام لدى الحاكمين والتي «لا تسمح بغير الخطاب التمجيدي أو
النقد التعميمي البارد)، تشكل العقبة الأساسية أمام النمو الفعلي كماً وكيفاً
لوسائل التعبير الإعلامية ». والإعلام العربي المشترك الذي لم يستطع أن يشرح
للرأي العام العالمي « ماذا يعني وجود إسرائيل ؟» أهي دولة توسعية أم عملية
للإمبريالية الأمريكية ؟ يثير عدة شكوك وتساؤلات. قد يكون أحد أسبابها كون
الإعلام العربي المشترك يصدر عن «بنى سياسية متعددة قومية وقطرية لكل منها
تفسيراته ومفاهيمه ومنطلقاته التي قد لا تختلف حول الهدف النهائي ولكنها بتعدد
تكتيكاتها ومضامينها التي تخدم مصالح قطرية بحتة في بعض الأحيان تطرح أمام
الرأي العالم العالمي إعلاماً عربياً مفككاً». مقابل هذا التفكك نجد الإعلام
الصهيوني يتجه إلى محاولة التشكيك في إنسانية وعقلانية الفرد العربي وطمس
معالم حضارته، وبدعم من الإعلام الأمريكي  الذي فاق اهتمامه بإسرائيل اهتمامه
بكافة دول العالم مجتمعة « مما قاد الرأي العام الأمريكي إلى الاعتقاد بأن
إسرائيل هي الطرف الرئيسي الأهم في كافة تطورات الوضع في الشرق الأوسط
السياسية وغير السياسية». وإذا كان الهدف الأساسي للجهد الإعلامي العربي هو
الدفاع عن العرب في وجه الهجمات الحاقدة ولا سيما من الصهاينة في الغرب،
وإيصال صورة عن عالم عربي يعمل من أجل التقدم والرخاء والاستقرار، فمن المفروض
أن يكون لدى المسؤولين العرب في ميدان الإعلام وكذلك لدى المؤسسات القومية
للاتصال تصوراً واضحاً عن دور الإعلام العربي ,  ففي جميع القرارات التي
اتخذها مجلس وزراء الإعلام العرب وفي مختلف تكتيكات ومشاريع العمل التي دعت
إليها الجامعة العربية هناك افتراض ضمني ولكنه واضح بأن : الإعلام هو نشر
الحقائق ليس غير. الإعلام هو الدعاية، أي أنه شكل من الوعظ الهادف إلى اجتذاب
الآخرين إلى قضية العرب أو وجهة نظرهم (...) وكذا معاملة «الإعلام» كحقل مستقل
وكأنه لا يرتبط ابدأً بالوضع السياسي ـ الاجتماعي».
لقد أدت التطورات السريعة في تقنيات الإعلام والتوسع الناتج عنها إلى تغير
المشهد الاجتماعي في داخل كل بلد وفي العالم كله، وكان الأثر الأول لذلك تعميق
الفجوة بين الدول الإمبريالية من جهة والدول النامية من جهة ثانية في ميدان
الاتصال والإعلام. هذه الفجوة ليست تقنية كما يذهب الكثير من الباحثين
الغربيين إذ أن تعابير من قبيل «عدم التكافؤ», و «التخلف الإعلامي »، و
«الفجوة التكنولوجية » هي تعابير ملطفة لوصف واقع وجود غزو إعلامي امبريالي
منسجم ويكمل جوانب الغزو الأخرى الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ففي عام 1986
انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من اليونسكو، لأن رأياً عاماً ضاغطاً تكوّن
داخل المنظمة وقف بالضد من مفهوم ((التدفق الحر للمعلومات )) وهو الركيزة
الأولى في المنظومة الفكرية للدفاع عن الغزو الإعلامي , فالتدفق الحر يعني عدم
وضع أية قيود  بوجه التدفق من طرف واحد هو الإمبريالي نحو طرفٍ ثانٍ هو العالم
الثالث. وفي حال الدول النامية يعني هذا المفهوم من وجهة نظر إمبريالية الرضوخ
للغزو الإعلامي دونما اعتبار لواقع هذا البلد أو ذاك، هذه القومية أو تلك،
والحاجات الملموسة الأمم وشعوب العالم الثالث، وطبيعة مشكلاتها ومستوى تطورها.
وعلى الرغم من وجود اختلافات كبيرة جداً بين الأنظمة الاجتماعية والتوجهات
السياسية والأيديولوجية والإعلامية داخل مجموعة دول العالم الثالث، تصرفت
المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة بقضايا الإعلام وكأنها كتلة واحدة في
محاولة للتقليل من الآثار المدمرة للغزو الإعلامي والثقافي الإمبريالي. لكن
ذلك لم يخف واقع أنه يصعب القول بوجود تيار أو اتجاه إعلامي واضح الملامح تجمع
عليه هذه الدول في سياستها الإعلامية الوطنية والإقليمية. وقد جرى توصيف وجود
تيار إعلامي للدول النامية على أساس الحاجة الفعلية والمفترضة وليس على أساس
الواقع القائم في هذه الدول، فمن الواضح أن بلداناً تعتبر نامية تسود فيها
أنظمة حكم رجعية تابعة للإمبريالية لا يمكن أن تنسجم توجهاتها الإعلامية مع
دول تقدمية ووطنية من نفس مجموعة دول العالم الثالث. وإذا كان ثمة معيار حقيقي
لقياس طبيعة الاتجاه الإعلامي لبلد نام واحد أو مجموعة بلدان، فإن هذا المعيار
يتركز على مقدار خدمة السياسة الإعلامية لقضايا تطوير البنية الاقتصادية
الاجتماعية، والثقافة القومية، على أساس من نظرة موضوعية للتطور التقدمي. ومن
خلال دراسة السياسية الإعلامية لهذه الدول النامية أو تلك، يمكن وضع اليد على
العامل الداخلي الذي يجعل من الغزو الإعلامي الإمبريالي أمراً واقعاً ومجسداً
في حياة البلد، أو على العكس، حيث يستخدم الإعلام في الدول الوطنية والتقدمية
كـ «مدفعية للعقل » كما يقول الثائر الأميركي اللاتيني «بوليفار » لمواجهة
رياح الغزو الاقتصادي السياسي الإعلامي الإمبريالي.
وكما في جميع بلدان العالم الثالث، تثار الآن في الوطن العربي، وعلى نطاق تتسع
يوماً بعد يومً التساؤلات عن الآثار التي يتركها الغزو الإعلامي الإمبريالي في
البنية الاقتصادية والاجتماعية والحياة الروحية للعرب. ويلفت اهتمام رجال
الفكر والثقافة والإعلام من القوميين والديمقراطيين العرب التحولات التي رافقت
تكثيف الغزو السياسي والعسكري الإمبريالي للوطن العربي، في ميدان الإعلام
الموجه ضد حركة التحرر الوطني العربية، وهو ما يميز سنوات الثمانينيات وأطر
السعي الأمريكي والأطلسي الحثيث من أجل العودة للوطن العربي إلى عهود الاحتلال
الكولنيالي. وعلى مستوى دراسة الظواهر الإعلامية الدولية، وبالذات قضايا الغزو
الإعلامي من جانب الإمبريالية، والتبعية من جانب دول العالم الثالث، وقدم
العديد من البحاثة والمفكرين والإعلاميين العرب إسهامات مميزة، ساهمت في بلورة
وعي فعلي لأخطار هذا الغزو على الثقافة القومية العربية، وعلى مصائر التطور
المستقل للوطن العربي، وقضايا النضال القومي ضد الإمبريالية الصهيونية.  وما
يلاحظ هو أن وسائل الإعلام العربية والرسمية والحكومية ( الصحف ـ الإذاعة،
التلفزة.. ) لا تعطي صورة حقيقية عن النمو الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرفة
الأقطار العربية، بل تسخر فقط من أجل أغراض معينة ولأهداف خاصة، إن هناك
دراسات إعلامية أجريت في مراكز البحوث والجامعات العربية خلال فترة
السبعينيات، واهتمت بقياس اتجاهات ومواقف الصحف ووسائل الإعلام العربية إزاء
القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية المعاصرة. فقد توصلت هذه الدراسات إلى
مجموعة من النتائج يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تحليل أبعاد العلاقة بين
وسائل الإعلام والحكومات العربية والتي يحكمها قانون السيطرة شبه المطلقة من
جانب الحكومات والتبعية من جانب العربي والتي يحكمها قانون السيطرة شبه
المطلقة من جانب الحكومات والتبعية من جانب وسائل الإعلام مما يؤثر على
المعالجات التي تتبناها أجهزة الإعلام إزاء القضايا المعاصرة، ويكون ذلك على
حساب الاعتبارات التنموية العربية التي تتطلب تنوير الرأي العام العربي
والجماهير العربية حول الخطوات والسياسات المتبعة من اجل بناء المستقبل. ومن
ضمن النتائج التي أسفرت عنها هذه الدراسات تشير إلى مايلي:
ـ تركيز كتاب الأعمدة والمقالات في الصحافة العربية على مشاكل جزئية وفردية
والاعتماد على التوصيفات المبتورة، وتجنب التفسير أو اتخاذ مواقف واضحة إزاء
المشاكل المطروحة، مع تركيز جل هؤلاء الكتاب على القيم الفردية وتشجيع الهجرة
وعدم الارتباط بالوطن، واعتبار الإنسان سلعة تخضع لقوانين وتلتزم بها.
ـ إن الصفحات الخارجية في جل الصحف العربية تعتمد على وكالات الأنباء الغربية
بنسبة 50% من مجموع الأخبار التي تنشرها وتعتمد على وكالات الأنباء العربية
بنسبة
22%، بينما تنشر مايقارب 26% من الأخبار الخارجية دون الإشارة إلى المصادر
التي تكون غالباً مستوردة من وكالات الأنباء والصحف والإذاعات الغربية.
وأثبتت هذه الدراسة أن هناك تركيزاً واضحاً على حجم المعلومات الواردة من
الولايات المتحدة الأمريكية حيث بلغت نسبتها 45%، وتنال الدول الغربية 35% من
مساحة الصفحات الخارجية بالصحف العربية، أما دول العالم الثالث «فإن نصيبها
يزيد عن 15% وتنال الدول الاشتراكية 5% فقط. وقد استندت الدراسة في هذا الصدد
إلى عينة من الصحف العربية شملت: الأهرام القاهرية، والدستور الأردنية،
والأنوار اللبنانية، والعرب القطرية، والوحدة الإماراتية، والشعب الجزائرية،
والثورة العراقية، والبعث السورية، وذلك خلال فترة زمنية معينة. سبقت احتلال
قوات العدوان الأنكلوساكسونية للعراق.
ـ تطرح الصحف العربية المواقف الرسمية لحكومتها إزاء القضايا القومية وقد بثت
صحة هذه النتيجة من خلال الدراسة التي أجريت عن المقدس في الصحافة العربية.
ولعل أهم المؤشرات التي يمكن الخروج بها من هذه الدراسات الميدانية يمكن
تخليصها فيما يلي: سيادة القيم التقليدية والروح الفردية والأفكار الرأسمالية
فيما يتعلق بالقيادة الاجتماعية والاقتصادية. التبعية للعالم الغربي الرأسمالي
سواء في مصادر الأنباء أو حجم الاهتمام الذي توليه الصحف العربية للولايات
المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية، التبعية المطلقة للحكومات العربية
والالتزام بطرح رؤيتها كاملة مهما تعارضت مع مواقف واتجاهات القوى السياسية
الأخرى وخصوصاً في القضايا القومية.
وعندما نبحث عن علاقة الإعلام العربي بالواقع السياسي والاجتماعي على المستوى
الوطني يتجلى لنا بوضوح طغيان المركزية على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة،
وهي غالبا وسائل تمتلكها الحكومات وتسخرها لخدمتها. وينطبق هذا القول على
الصحف والإذاعات والتلفزيون ووكالات الأنباء والمطابع والإنتاج السينمائي إن
وجد. وقد ترتب على هذا الوضع اقتصار الخدمات الإعلامية على سكان المدن وإشباع
حاجاتهم وأذواقهم وتجاهل باقي القطاعات من سكان البوادي والقرى، بحيث أصبحت
الشرائح العليا و المتوسطة من سكان المدن تسيطر بثقافتها وتطلعاتها وقيمها على
اتجاهات الصحف والبرامج الإذاعية والتلفزيونية في جميع أنحاء العالم العربي،
مما يؤدي بطبيعة الحال إلى حرمان وعزلة سكان البوادي، وهم الأكثر احتياجا إلى
النشاط الثقافي والإعلامي، الشيء الذي يضاعف من الخلل الاجتماعي ويكرس العزلة
والاغتراب الثقافي لديهم.
من جانب آخر، يلاحظ على الممارسات الإعلامية في الوطن العربي اهتمامها
بالجوانب السياسية والدعائية والتحرك في دائرة الحكام والرؤساء وتسليط الأضواء
على أنشطتهم وخطبهم السياسيةالرنانة وتنقلاتهم، مما يؤدي إلى إهمال الوظائف
الأخرى للإعلام مثل التثقيف والتوعية القومية والاجتماعية. يلاحظ كذلك إخفاء
المحاولات التي بذلتها الحكومات العربية لتجنيد وسائل الإعلام لخدمة خطط
التنمية الاجتماعية والاقتصادية وذلك بسبب افتقارها للرؤية الشاملة ذات
الأبعاد الاستراتيجية والبرامج المرحلية المتتابعة، وبسبب اعتمادها في الأساس
على المبادرات الفردية والخطط الجزئية قصيرة المدى إضافة إلى اعتمادها على
الطروحات الغربية في مجال التنمية. ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لاستعمال
وسائل الإعلام المسموعة والمرئية في محو الأمية ودعم العملية التعليمية ورفع
مستوى التعليم. وللأسف فان إنساننا العربي يقبع جريحا في ظلال تمزق سياسي
مريع, وتنعكس عليه وحده دون غيره, الخلافات العربية. وهو مع تراكم هذه الصفعات
اكتسب صفة البرود واللامبالاة, وأصبحت ردود فعله إزاء الأحداث السياسية
والعسكرية الجارية فوق الساحة العربية باهتة هزيلة فقد بات من المألوف مشاهدة
أشلاء الضحايا من المواطنين العرب متناثرة في أماكن عديدة من مواقع الصراع
الساخنة في فلسطين المحتلة, وفي العراق, ومؤخرا في لبنان. لقد انسحب هذا
الموقف ألعدمي على بقية تفاعلاته وعلاقاته مع الأمور الأخرى. ولا عجب من القول
انه قد بلغ حالة يكاد فيها لا يكترث ولا يبالي بأيديولوجية النظام السياسي
والاجتماعي الذي يحكمه, ذلك أن طاقاته الجسدية والعقلية مسخّرة لمواجهة أزماته
الاقتصادية, ولإبقاء رغيف الخبز متواجدا دوما على مائدة أطفاله. وبدلا من
السعي الحميم إلى إعادة التوازن لهذه الشخصية, ودعمها ضد التخلخل وبوادر
الانهيار, أباح الكثير من أجهزة الإعلام العربي عملية الإمتاع والترفيه الأجوف
وسمح لمن ينظرون لعلاقة الإنسان مع الثقافة على أنها مجرد تجارة مضمونة الربح
بان يدشنوا مؤسساتهم (( الثقافية والإعلامية )) كي يذهبوا ببراعة واحتراف إلى
ترفيه المواطن, ومساعدته على التخلص من مشاعر الألم والقهر والكبت والكآبة.
>.نت ( ثقافة المتعة ) تلك التي بحقيقتها (تخدّر الوعي وتقدم صورا فانتازية
تزيّف الحقيقة وتشوه الوعي, مثل < قناة دريم, والأغاني, وميلودي, ومزيكا,
روتانا, والشبابية, والخليجية, وميوزك بلاس, الخ..> .  وتستهدف هذه القنوات
وغيرها تلهية الإنسان عن واقعه, وشل دوره في الحياة الاجتماعية المتطورة إلى
الأمام).
لقد كان من واجب الصحافة العربية بعد الاستقلال أن تساهم في التنمية القومية
الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتلعب دوراً فعّالاً في بلورة استراتيجية
العمل الاقتصادي العربي المشترك وإخضاعها للممارسة والتطبيق العملي على نطاق
العالم العربي كله. فالصحفي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الطليعة المثقفة في
العالم العربي عليه ضرورة ملحة لتجسيد الصحافة العربية للقيام بدور رئيسي في
القضاء على الأمية التي تبلغ نسبتها حوالي (75%)
في العالم العربي. ولا شك أن هناك علاقة وثيقة بين الأمية والعوائق التي تعترض
طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية خصوصاً وأن الاستعمار الأوروبي لم يحرص
فقط على تكريس الأمية بين غالبية الشعوب العربية، بل أدخل إلى الدول العربية
أشكالاً من التعليم لا تساعد العرب على بناء مجتمعاتهم وتطويرها بل تهدف في
الأساس إلى تخريج مجموعات من الموظفين والكتبة لمساعدة الجهاز الإداري
الاستعمار. من هنا يبدو أن الصحافة العربية إلى جانب وسائل الإعلام الأخرى
المرئية والمسموعة، يجب أن تعطي أهمية كبرى لمسألة محو الأمية وتغيير الأنظمة
التعليمية السائدة وتشجيع التصنيع والإصلاح الزراعي. فالمهمة الأولى للصحافة
العربية هي تعميق الممارسة الديمقراطية من خلال حرية التعبير والنقد البنّاء
لخطط وبرامج وممارسات الحكومات الوطنية.
لقد قام الإعلام العربي بدور رئيسي في ترويج فكر وأيديولوجية التبعية وفي
تزييف الوعي السياسي والاجتماعي للجماهير العربية لصالح النخب الحاكمة في
الداخل ولخدمة مصالح السوق الرأسمالية العالمية في الخارج. فالأوضاع السياسية
في العالم العربي قد ساعدت في مرحلة ما بعد الاستقلال على تدعيم الأنماط
السلوكية والقيم المنقولة عن الاستعمار الأوروبي فضلاً عن تشجيعها للأنماط
الثقافية الأخرى التي أدخلها الاستعمار الجديد
ومن جانب آخر نجد أن وسائل الإعلام العربية التي استخدمت في أثناء الفترة
الاستعمارية من قبل النخبة الاستعمارية ( بمساعدة النخب العربية الموالية لها
) لترسيخ الارتباط بالوطن الأم، قد استخدمت بعد الاستقلال من جانب النخبة
الوطنية التي لا تزال تتطلع إلى الغرب كنموذج للتقدم الحضاري والسياسي وذلك من
أجل تحقيق هدفين أساسيين هما: التواصل مع النخب المماثلة في العالم الصناعي
المتقدم في الشمال، ثم السيطرة على الرأي العام العربي عن طريق سلبه القدرة
على الرؤية النقدية وتزييف وعيه السياسي والاجتماعي.
لقد ترتب على الهيمنة الخارجية الأمريكية بالأساس والأوروبية الغربية بنسب
متفاوتة على الدول العربية نتيجتان أساسيتان هما:
ـ تزايد سيطرة النخب الحاكمة سياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً وتعزيز هيمنتها
الفكرية والثقافية من خلال وسائل الإعلام الغربية ذات التبعية المزدوجة.
ـ تزايد مساحة الفقر المادي والمعنوي في الوطن العربي تقتضي ضرورة الربط بين
سياسات الاتصال والإعلام والسياسات الأخرى المطبقة في المجالات الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية والتعليمية، على أساس أن هناك تداخلاً وتفاعلاً بين
جميع هذه العوامل، وأن هناك انعكاساً جدلياً متبادلاً بين البنيتين التحتية
والفوقية. كما تتطلب تنمية القطاع الإعلامي بمختلف أبعاده الرأسية والأفقية
والكمية والنوعية وتطوير مهام الإعلاميين، والارتفاع بمستوى المضامين
الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، وإتاحة الفرصة لوسائل الإعلام لكي
تصبح أدوات فعالة للتواصل الاجتماعي والإنساني، وأخيراً ربط السياسات
الإعلامية والاتصالية المختلفة تقع مسؤوليتها على عاتق العديد من الجهات،
فهناك وسائل الاتصال الجماهيري من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما، إضافة إلى
المؤسسات التعليمية ومؤسسات الثقافة الجماهيرية والمكتبات العامة وبنوك
المعلومات والأحزاب السياسية والهيئات النقابية والرأي العام... كل هذه
الأجهزة وهذه القنوات يجب أن تساهم في رسم سياسات إعلامية تنموية قطرياً
وقومياً. وليس من النادر أن يجد المرء دراسات عربية وغير عربية، ركزت على
قضايا الغزو الإعلامي، باعتبار الأخير حيزاً مستقلاً للبحث. وعلى الأهمية
الفائقة لهذا الاتجاه في البحث والتقصي، إلى أن دراسة الغزو الإعلامي
الإمبريالي، قضايا الإعلام والاتصال تستحق البحث كمادة مستقلة. بل بالعكس،
خاصة في أعقاب الثورة العلمية التكنيكية التأكيد على أن استقلالية قضايا
الإعلام والاتصال، استقلالية نسبية. ومن شأن دراستها كجزء في مركب عام، تقدم
صورة مترابطة بحيوية سياسياً وتاريخياً، عن عمليات التأثر والتأثير المتبادلة
بين عناصر المركب. فالغزو الإعلامي الإمبريالي ليس غزواً إعلامياً مجرداً، كما
أنه ليس غزواً ثقافياً فحسب، بل هو ما سلف يضاف إليه وظائف اقتصادية واجتماعية
وعسكرية وأمنية ونفسية، في التأثير على حياة دول وشعوب وأمم العالم الثالث.
ومن الوجهة العامة فإن التطور العاصف في حيز الإعلام والاتصال تم بالترابط
الوثيق مع العوامل الآتية:
1 ـ التطور الداخلي للإمبريالية في ظروف رأسمالية الدولة الاحتكارية اقتصاداً
وسياسة وثقافة وجوانب القوة العسكرية، وعمليات التغيير والتكيف التي جرت وتجري
في النظام الرأسمالي العالمي، وعلاقات أطرافها ببعضها البعض، وعلاقة النظام
كله بالطبيعة المتغيرة للأوضاع في دول العالم الثالث.
2 ـ التأثيرات العميقة على المسرح الدولي التي تركتها عملية تحرر ثلثي البشرية
من الاستعمار الكولنيالي، وما أدى إليه.
ظهور عشرات الدول الجديدة على مسرح الأحداث ونهوضها القومي والوطني من أجل
الدفاع عن استقلالها السياسي والاقتصادي والمحافظة على شخصيتها الثقافية
والقومية، وتأمين حرية اختيارها بطريق التطور الخاص بها. وهي عملية اصطدمت
بالإمبريالية في كافة المناحي في صراع ضار سالت فيه دماء ملايين البشر في آسيا
وأفريقيا وأمريكا اللاتينية،
وكان من نتائج ذلك دفاع الإمبريالية العالمية نحو عملية تكيف مستمرة ومنتظمة
لاحتواء وإعادة احتواء الأوضاع المستجدة، وكان تكيف الاتجاهات الإعلامية،
وأجهزة الاتصالات الإمبريالية، جزءاً من ذلك.
3 ـ في ظروف توازن الرعب النووي بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي تولدت
آلية سياسية وعسكرية، وإعلامية، أدت إلى زيادة التركيز على أجهزة الإعلام
والاتصال في المعركة السياسية والفكرية على الساحة الدولية. وأولت الإمبريالية
اهتماماً فائقاً بالإعلام والدعاية ضد الاشتراكية إبان سيادتها, وحركة التحرر
الوطني العالمية.
يساهم العرض التاريخي العام للأوضاع الدولية، والأوضاع الملموسة للصراع، وموقع
حركة التحرر الوطني فيه، وعمليات التكيف الإمبريالية مع كل ذلك، في تكوين صورة
موضوعية للجذور السياسية ـ الاقتصادية، لما أطلق عليه اعتباراً في نهاية
السبعينيات (الإمبريالية الإعلامية ) وهو استصلاح يشير إلى عدة حقائق:
أ ـ الاندماج شبه التام بين أجهزة الإعلام الإمبريالية وآلة الدولة، ومختلف
جوانب سياستها الخارجية والداخلية.
ب ـ انتقال وسائل الاتصال والإعلام من الشركات القومية العاملة في ميدان
الإعلام، إلى الاحتكارات فوق القومية.
ج ـ بروز الطابع الاقتصادي والسياسي لعوائد الغزو الإعلامي، حيث تحقق
الاحتكارات الإعلامية أرباحاً أسطورية، حالها في ذلك المجتمعات العسكرية
والاقتصادية في الدول الإمبريالية. وأصبحت الصناعات الإعلامية تقف في صف
الصناعات الحربية، أو صناعة الآل