Forum - من الإعلام إلى الإفهام

من الإعلام إلى الإفهام

 

هذه الفكرة الإعلامية و التي سبق أن كانت محور حديث منذ ثلاثة سنوات دار بيني و بين أحد الشخصيات الإعلامية الإسبانية و المعروفه في أوساط صناعة الإستراتيجية الإعلامية، حيث تركز ذلك الحوار حول مفهوم الإعلام المعاصر ما بين كونه إعلاما يهدف إلى تحقيق هدف (إعلام) المتلقي بما يحدث و (إخبار) المتعطش للخبر حول ما يجري و ما بين مفهوم هذا الإعلام المعاصر الذي غيرت الوسائل الإعلامية التقنية من طبيعته و آلياته و توقعات المتلقين منه، فلم يعد كما يقول الأستاذ هيكل واجب الإعلام هو العمل على إخبار و إعلام المتلقي عن ما يجري من أحداث حول العالم لأنه بحكم تعدد الوسائل و تنوعها أصبح يعلم عن الحدث فور حدوثه و هو بذلك ليس في حاجه للإعلام التقليدي أن يقوم بدوره التقليدي بإخبار الخبر و إعلام الناس حول ما حدث، بل كما يقول هيكل علي الإعلام المعاصر أن يتحول من عملية (الإعلام) و (الإخبار) إلى عملية (الإفهام).

عملية الإفهام في الإعلام مفادها في أبسط صورها أن يتحول الإعلام إلى وسيلة تنقل للمتلقي المعاني المختلفه للحدث بكل تفاصيلها المتجرده و ذلك لكي تعطي تصورا كاملا للمتلقي عن العوامل المجرده التي أثرت في حدوث الحدث و ذلك لكي يخرج المتلقي من هذه العملية التي تقوم بها وسائل الإعلام التقليدية بنتيجة إفهام المتلقي بحقيقة ما جرى بدلا من الإستمرار في أداء عمل إعلامي يقوم به الجميع محترفين و غير محترفين و هو الإعلام و الإخبار عن ما حدث.

حديث الأستاذ هيكل عن الإفهام كمصطلح رديف بل و جديد لمصطلح الإعلام في تقديري يعد لب ثورة العمل الإعلامي المعاصر للوسائل التقليدية، و هو تماما الرأي الذي كان محوره حديثي من ذلك الإسباني الذي عمل لسنوات عدة على إعادة رسم سياسات عدد من الوسائل الإعلامية العالمية و أشرف على عدد من الإندماجات التي شهدت تزاوج الصحافة المطبوعة مع الصحافة التلفزيونية في تجارب كتب لبعضها النجاح و بعضها الآخر الفشل، و لكنها جميعا كانت منطلقه من قناعة القائمين على تلك المؤسسات بأن زمن الإعلام بمفهومه التقليدي قد أصبح من الماضي و بالتالي لا بد من إعادة صياغة العمل الإعلامي المهني بطريقة أكثر تقدما و تميزا، فهم على قناعه تامه بأن أمثال الفيسبوك و التويتر و باقي الوسائل الإعلامية ذات النمط الإجتماعي جعلت من الخبر منتجا إعلاميا مشاعا إنتاجه للجميع و بالتالي أصبح من الصعب السيطرة على مكوناته الزمانيه و أصبح يستحيل إحتكاره مهنيا مهما كانت الخبره و مهما كان إنتشار و وصول تلك الوسيلة الإعلامية التقليدية أو تلك.

دعوة الأستاذ هيكل كانت صريحه في العمل على الإرتقاء بالعمل الإعلامي في العالم العربي بحيث يبدأ في التعامل مع كينونته بشئ من الواقعية و كثير من المنطقيه و مصارحه للذات حول حقيقته التي من الصعب وفق ما هي عليه الآن أن تنافس السوق المعلوماتية العالمية ما لم تغيّر من نمطها الحالي في تعاطيها مع هذا الإعلام و الذي لم يعد يرى في الإذاعة مصدرا الأخبار و الموسيقى و لم تعد الصحف مصدرا مشعا للرأي و الرأي الآخر و لم يعد التلفاز المنفذ الوحيد للخبر المصور و السحر الذي طالما تحكم في عقول الناس بما كان ينقله على الهواء مباشرة من أحداث و قصص و توجيه، و بالتي فدور الإفهام هو الدور الوحيد المتبقي للإعلام التقليدي المعاصر و الذي لم يزاحمه أحد حتى الآن، و لعل هذا الدور هو المنقذ و الضامن الوحيد لإستمرار الإعلام التقليدي في لعب دور و لو محدود في زمن ثورة المعلومات التي لم تعد محتكره في يدي وسيلة إعلامية مهما حلم الحالمون و قال القائلون