Forum - حرية التعبير وسيلة أم غاية ؟ مع او ضد؟

حرية التعبير وسيلة أم غاية ؟ مع او ضد؟

حرية التعبير مصطلح محير فعلاً فهو بقدر وضوحه، يمكن الاطمئنان إلى وصفه بالضبابية أو على أقل تقدير مصطلح فضفاض وحمال أوجه. وأنا لست هنا لسرد تاريخ وجغرافية هذا المصطلح لكن بوسعنا ونحن نتحدث عنه في واقعة محددة القول بأن حرية التعبير ليست هي التجذيف الذي يطاول عن عمد أو جهل مقدسات أو قيماً شكلت وجدان طائفة من الناس،... 





حرية التعبير أصبحت مفصلاً مهماً في منظومة حقوق الإنسان ولم يعد بالإمكان تجاهلها خاصة وأن العالم تمكن عبر سلسلة من الأحداث والحوادث من دفن الأنظمة الشمولية التي كانت تحجر بطبيعة فكر الوصاية الذي تحمله على هذه الحرية وتتحكم عبر وسائلها في مفاتيحها.



وهنا تبرز المفارقة المثيرة للدهشة فحرية التعبير التي هي صميم حقوق الإنسان تتحول إلى أداة قهر لتلك الحقوق حين تصبح ولأسباب مناوئة للمنطق مضادة لحقوق الإنسان فمن حق الإنسان المسلم وكذا المسيحى واليهودى والبوذى أن يصون معتقداته المقدسة وتحديداً دينه من عبث المتعصبين ونزق الجهلاء، وأن تقف حرية التعبير دون الاقتراب من ضفاف تلك المعتقدات التي تأسس عليها وجدانه وطرق عيشه وأسلوب حياته. الفيلسوف المسلم رجاء جارودى توصل بالبحث العميق والرصين إلى استخلاصات تتعلق بما أسماه الأساطير الإسرائيلية وأصدرها في كتاب تمت مصادرته على الفور في فرنسا العلمانية وقادت الرجل إلى قاعات المحاكم ناهيك عن التشهير به إضافة إلى إلصاق تهم ما أنزل الله بها من سلطان.



المؤرخ والباحث الإنجليزى ديفيد أيرفينع نجح بالبحث العميق والرصين عبر عقد من الزمن في تفنيد ودحض الأرقام التي تسوقها الصهيونية العالمية عن الهولوكوست فكان نصيبه الاعتقال والمحاكمة في النمسا العلمانية والزج به في السجن ثلاث سنوات... الصحيفة الدانماركية التي نشرت الرسوم المسيئة إلى حضرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام كانت وباعتراف هيئة تحريرها قد رفضت نحو سنة نشر رسومات لا تتفق والرواية الصهونية عن الهولوكوست.



هذه مجرد أمثلة وهناك العشرات من القصص عن إجراءات قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للحجر على حرية التعبير لأسباب قالت إنها تتعلق بأمنها القومى وهناك بنود في قوانين تلك الدول تعطي الحكومة الحق في السيطرة على منافذ التعبير العلنية وقت الحروب أو حين تتعرض الدولة إلى خطر ما.



إن حرية التعبير هي في واقع الأمر وسيلة يعبر بها الفرد والجماعة عن الحاجة إلى تصحيح مفاهيمى أو التنبية لخلل تنظيمى يتعلق بحياة الفرد أو الجماعة. وقد جرى بفعل تنامى فكرة التخصص أو الاحتكار حصر ذلك في طائفة الكتاب والصحفيين والشعراء والمنظمات السياسية من أحزاب ونقابات الخ.



أما أذا تحولت إلى غاية فينبغي التوجس من المضمر خاصة وأن ميزان الإمكانيات يظل مصاباً بخلل القدرة، فالآلة الإعلامية الغربية مثلاً تمتلك إمكانيات وقدرات فنية وبشرية هائلة بوسعها تحريم الحلال وتحليل الحرام وفقاً لمستهدفاتها .. ولنا من خلال المتابعة الوقوف على شواهد لا حصر لها في ذلك ..منذ أكاذيب النازى غوبلز وليس انتهاء بالأراجيف التي سوقتها أمريكا للعدوان على بلاد الرافدين.



حرية التعبير حق أصيل لبنى الإنسان أستخدم هذا الحق لصالح الخير فإذا تحول إلى صالح الازدراء والدونية في أى شأن أصبح محمولاً على إضمار معان أخرى تتناقض أول ما تتناقض مع دلالة مفردة الحرية التي تستوجب المكاشفة المطوقة بالمنطق.



إن التطاول على الحق جل شأنه تبارك اسمه أوعلى الأديان أو على الأنبياء والرسل هو عجز مبين من عجزة يلهثون وراء سراب بعيد وليست حرية التعبير هنا إلا بمنزلة المشجب وفي المقابل تكتسب المقاطعة الاقتصادية للمنتجات التي تصدرها دول مثل الدانمارك مشروعية حرية التعبير أيضاً ولكنها هنا تقع في خانة الوسيلة لمنع السفه الذي لايليق بكرامة الإنسان ... وكما يقال إن السلاح ذو حدين ، وحرية التعبير هي أيضاً سلاح بوسع المرء استخدامه في الخير وما ينفع الناس ويمكث في الأرض ، مثلما يمكن استخدامه في الشر حيث يفقد منطق الحق فيتحولوا إلى أداة قتل إجرامية إرهابية والعياذ بالله